قصص

بَرَهوت “وادي الأحقاف”

بَرَهوت “وادي الأحقاف” (1)
حلقات الموقع الأسود
***
طَلبنا اتنين قهوة وقعدنا في الكفاتيريا، عَشان الموضوع هيطوِّل معانا.
علطول “كَريم” كان دايمًا بيتكلّم معايا في الأيام الأخيرة كتير عن “بَرَهوت”، وكان دايمًا يسألني:
-أنت أي رأيك في الحكايات اللي بتتقال عن البير يا “عصام”؟!
عَشان أنا عارف دِماغ “كريم”، حبّيت أدخُل له من النُقطة اللي عارف إنّه هيعلَّق عليها:
-أولًا يا صاحبي، موضوع البير مالوش علاقة بالأديان، يعني حديث “أرواح المؤمنين بالجابية وأرواح الكفار ببئر برهوت” مشكوك في صحّته، والحديث الصحيح اللي وَرَد عن البير إنه شرّ ماء على وجه الأرض، بتشرب منّه الوحوش والهوام.
لكن اتفاجأت إن “كريم” بيتكلّم في ناحية تانية خالص، وعرفت دَه لمّا قال:
-يا “عصام” أنا بتكلّم في الأحداث الغريبة اللي بتحصل في البير، والحكايات اللي فيه ناس شاهدة إنها حصلت.
من يومين بسّ، كان “كريم” بيحكي عن قصّة قرأها عن الحكايات اللي حوالين البير، عن إن في شخص نِزِل البير عَشان يستَكشِفُه، النّاس اللي معاه ربطوه بالحَبل عَشان يِنزل البير، لكن بَعد ما نِزل بدقايق كان بيُصرخ، طَلَب من النّاس إنّهم يسحبوه، والمنظر المُرعب إنّه بعد ما خَرج من البير، كان نُصّه اللي تَحت مش موجود!
كُل معلوماتي عن البير مكانتش تتعدّى المعلومات العادية اللي النّاس تعرفها، بير ريحتها منتّنة، الكُل بيخاف منها، معلومات بتقول: إنها سِجن المتمرّدين من الجِن، ومعلومات تانية بتقول إن بيسكنها الجن عمومًا مِن غير ما تكون سِجن ولا حاجة.
عَشان كِدَه قُلت لـ “كريم”:
-الموضوع هيدخل في جِدَال بيني وبينك، أنت هتعارض أفكاري، وأنا عندي فِكرة واحدة بَس عن البير.
-أي هيّ الفِكرة دي؟
-ليه البير دي مَتكونش بوابة لِعَالم خَفي مثلًا، أو يكون في سرّ ممكن ينكشف في يوم من الأيام بيخلّيها تظهر لنا بالشكل اللي بنشوفه دَه ويحصل فيها الغوامض اللي الناس بتقول إنها حصلت.
رَدّي مكانش عليه رد فعل من “كريم” غير إنّه قال:
-مُمكن ليه لأ .. كُل شيء جايز.
كوبّاية الشّاي قُدّامي كانت لسّه سُخنة، البُخار طالع منها على وِشّي، بَحب ريحة الشّاي أبو نعناع وأنا قاعد مُنتظر الليل يدخُل، اللاب كان مفتوح كالعادة، أنا بقيت بنتظر ظهور صفحة الموقع كل ليلة، بقى حاجة كِدَه عاملة زي الإدمان.
كُنت بضحك على حواري مع “كريم”، أنا كُنت بطمع إن الموقع ياخُدني لعوالم تانية غير الأماكن اللي الناس بتهري عنها، ما هو أي حد مكاني هيبقى عنده نفس الشَّغف دَه، امتلاكك لوسيلة خارقة زي الموقع الأسود سبب كافي لإنّك تبقى طمّاع.
يادوب النهار بدأ يروح والليل بدأ يظهر في السَّما، في اللحظة دي بدأت أسمع صوت رياح في الصحرا، معاه صوت نار بتطقطق كأن في خَشَب أو حَطَب بيتحرق، وكالعادة؛ الكعربا فصلت في أوضتي، الدنيا بتتهزّ من حواليّا، شاشة اللاب بترتعش، أنا حاسس إن في قوّة بتسحبني من الأوضة.
الجوّ خَنقة والحرارة عالية، الهوا كان عامل زي صَهد الفُرن، لو زاد شويّة ممكن يسبب حروق لأي حد، صحرا وجبال، لكن في أربع أشخاص هنا، بيجمعوا الحَطب من كل مكان، وبيجمّعوه بالقُرب من باب مغارة، وبعدين بيولّعوا فيه لغاية ما يتفحَّم، بَعد كِده بيجمعوا الحَطَب اللي اتفحّم، وهاتِف قال لي: إن دي مهنة بعض الناس الفُقَرَا هِنا، بيبيعوا الفَحم.
أنا لسّه في نَفس المَكان، بس هدومي اتغيّرت، وهدوم الأربعة اللي في المكان كمان، من خبرتي اللي أخدتها من تعاملي مع الموقع عرفت إن الزمن اتغيّر، أنا في يوم تاني.
تلاتة من الأربعة قرَّروا إنهم يمشوا، ويسيبوا أصغر واحد فيهم هوّ اللي يقوم بمهمة حَرق الحَطب في اليوم دَه، بَعد ما قال واحد منهم اللي هو تقريبًا أكبَرهُم:
-يا “سلوم” .. أنت اليوم بتفحَّم الحَطب وبترجع على القرية.
الحَطَب كان متكوّم قُرب باب المغارة، بدأ “سلوم” يولّع فيه، لكن وهو بيولّع سِمع صوت خطوات بتقرَّب، قبل ما يِلتِفت يشوف مين سأل نفسه سؤال:
-هو مين في الوَقت دَه جاي هِنا عند “دِبَة النار”؟
ماكُنتش محتاج المَوقع يفسّر لي معنى “دِبَة النار”، أنا فهمت إنها المكان اللي بيحرقوا فيه الحَطَب قُرب المغارة، لكنّه أوّل ما التَفَت الرُّعب كان هيقتِلُه.
في أجساد هُلامية، لونها أسود، شايلة نَعش، ماشية وراهم كائنات أجسادهم هُلامية برضو، وشايلين الجَنازة اللي كان ظاهِر على النَعش اسم صاحبها “أ. ح. أ”، وطالعين بيها للمغارة.
عِرفت أقرأ اللي بيفكَر فيه “سلوم”، كان تفكيره مين الكائنات دي وأي هي الجنازة اللي داخلة المغارة؟! كان بيسأل نفسه السؤال دَه وهو بيجري عَشان يِهرب من الرُّعب اللي سيطر عليه، دا غير إن دي أوّل مرّة يشوف حاجة زي دي في المكان، اللي حصلت لأوّل مرة في عدم وجود إخواته.
أنا دلوقت في قَرية بسيطة، اسها “فغمة”، كان “سلوم” بيحكي لإخواته اللي حَصَل، اللي مكانوش مصدّقين اللي بيقولوه، مين دول اللي شبه الأشباح وشايلين نعش عليه “أ. ح. أ” وداخلين المغارة، المغارة مُش مدافن، دا يادوب فيها بير على اليمين وأنت داخل، وسراديب بتضيق كل ما تمشي فيها، لغاية ما ينعدم الأوكسجين والنور جوّه، عَشان كِدَه “سلوم” كان محطّ سخرية إخواته لغاية ما سمعوا مُنادي القرية اللي بينادي على الأموات إن “أ. ح. أ” توفّى، وإن جنازتة هتكون بعد قليل.
لحظة! المغارة فيها بير على اليمين؟! وأنا كُنت بتكلّم مع كريم عن بير بَرَهوت، والموقع نَقَلني للمغارة، مُش للبير اللي في “الكَسفَة”، اللي مشهورة إنها بير بَرَهوت، يعني بير بَرَهوت الحقيقي هوّ البير اللي في المغارة الموجودة في وادي الأحقاف، معقول؟!
المكان مكانش يهمّني أوي، بَس طالما المَوقع جابني هِنا يبقى أكيد هوّ دَه المكان الحقيقي، إنما اللي حصل قُدّامي هوّ اللي كان مُدهِش، معنى إن “سلوم” يشوف جنازة شخص في المكان بالشكل دَه ولمّا يِرجع قريته نفس الشَّخص يموت وتطلع جنازته كان شيء غريب، معقول المكان هنا في المغارة سابِق الزَّمن والأحداث اللي بيعيشها الناس في الأماكن اللي حواليه؟
لأوّل مرّة فكّرت أبُص في ساعتي وأنا في رحلة من رحلات الموقع، شيء غريب، عقرب الثواني في ساعتي بطيء جدًّا، زي ما يكون مشلول مُش بيتحرّك، دا مالوش تَفسير واحد غير إنّ الجاذبية هنا عالية جدًّا، حتى إنّي لاحظت إن الليل بدأ يدخُل، لكن في المكان بالقُرب من المَغارة كان النور لسّه موجود، الليل لسّه موصلش هنا.
ولقتني واقِف في مكان بَعيد، بَبُص منّه على المغارة، المَشهد من بعيد كأنه لَمبة ضوء أصفر منوّرة ما بين عَتمة، دا اللي أكّد لي إن الجاذبية عالية حوالين المَغارة، وإن دَه من المؤكّد اللي مخلّي في تغيّر في الزَّمان والمكان.
على حدّ علمي، إن لمّا الزمان ميكونش مُستقر في مكان مُعين، يِقدر ينقِلك لفترة معينة من المُستقبل أو الماضي، وإن الجاذبية لو اتركّزت بشكل كبير في مكان ممكن توصل لإن الضوء نفسه مايقدَرش يفلت منها، عَشان كِدَه المكان حوالين المغارة كان باين من بعيد زي ما يكون لمبة صفرا منوّرة، بدأت تنطفي واحدة واحدة، دليل على إن الضوء مكانش قادِر يهرب من المكان بسهولة زي الأماكن اللي حواليه.
أنا لسّه واقِف قُدَام المغارة، بدأت أسمع حد بيهمس في ودني وبيقول: بَرَهوت، الإحساس اللي كان واصِلني إن دَه تأكيد على إن دي مغارة بَرَهوت، ورغم إنّي لسّه مشوفتش البير اللي جوّاها، بَس عرفت إنّه بير بَرَهوت، لكن اللي شاغِلني دلوقت، هوّ ليه المكان هنا أعطى “سلوم” صورة مُسبقة عن جنازة هتحصل في قريتهم بعد ساعات قُليلة وكأن بإمكانه إنه يتنبّأ باللي هيحصل؟! أكيد المكان فيه سرّ غامض، قوّة غامضة، هي اللي ممكن تتسبب في ده.
رِجعت لأوضتي، لكن تفكيري كان لسّه هناك، عند المغارة، كُنت بَبُص لشاشة اللاب توب اللي ظهرت بلونها الأسود، ومؤشّرها بيتحرّك مع حركة إيدي، واللي قبل ما تِختفي أوّل ما النهار بدأ يِشَقشَق كان ظاهر عليها كُرسي يِشبه كُرسي الملوك، عليه كائن أنا مَقدِرتش أعرف هوَّ مين، لكنّ كان واضِح من هيئتُه إنه كائن مُرعِب!
يُتبع…

***

هيئة الكائن المُرعب اللي ظهرت قدّامي مراحِتش عن بالي، كنت بفكّر إن الوقع هياخدني لرحلة تانية لنفس المكان، هوّ أصلًا مَكَشَفش لي سرّ المكان لغاية دلوقت، دا غير إن من عادته لمّا يسيب لي حاجة قبل ما يختفي معناه إن في تكملة للرحلة اللي كنت فيها.
اتصلت بـ “كريم” أوّل ما وصلت الجامعة، قال لي: إن خمس دقايق ويوصل، أوّل ما وصل طلبت منّه إننا مَنحضرش محاضرات، كنت عاوز أحكي له اللي حصل على إنه حِلم حلمت به، اتفاجأت إنه وافق، طلع الموضوع أصلًا إنه حِلِم فعلًا بكل اللي أنا شُفته، لكن دَه مُش غريب، أنا كُنت عارف إنه هيحصل، ماهو كلامي مع “كريم” مكانش هيعدّي كده.
قضينا اليوم بالكامل على الكفاتيريا، نقاشات وحوارات وآراء، و آخر حاجة في كلامنا إنّي قُلت إن الفترة الجاية هتكشِف حاجات كتير عن بير برهوت.
كالعادة، مع بدايات الليل وظهور الموقع، بدأت أسمع صوت طبول، وأصوات ناس بتتزاحم على حاجة، يا ترى إي القصة؟!
الدُنيا ليل، كُنت واقِف على أرض مرتفعة، وكان “كريم” جنبي، وعلى مسافة منّنا كان في بيت من دور واحد، شبابيكه مفتوحه، والمسافة اللي بينا وبينه كلّها كانت مليانة ناس، كان في اتنين قدّام البيت بينظّموا دخول الناس، وكل شوية واحد فيهم كان يقول بصوت عالي:
-قولوا يا “داوود” .. هوّ بَرَكة “رَيمة” .. هيحقق لكم مُرادكم.
اسم المكان مُش غريب عليّا، دي مُحافظة “رَيمة” في شمال اليمن، بس إي حكاية المكان دَه و اسم “داوود” بالموضوع بتاعنا؟!
فجأة لقينا نفسنا جوّه البيت، أوضة كبيرة، حيطانها متعلّق عليها روس بَقر وجاموس بقرون طويلة، وفي كلاب كاملة متحنّطة، وحاجات غريبة كتير مكانش معروف بالنسبة لنا هي إي.
ريحة البخور كانت مُستفزّة جدًّا، لدرجة إن الدُّخان اللي طالع من راكية النار كان مخبّي الشخص اللي قاعد وراه، مع الوقت الدُّخان بدأ يِقِل، ظَهَر شَخص أسود، لحيته كانت لونها أبيض، كان بيغمّض عينه و بيِشهَق بطريقة مُخيفة، و كان بيردد من وقت للتاني:
-على العهد يا ملك العالم السُّفلي!
كُنت مُنتظر أعرف مين ملك العالم السُّفلي، لكن قَطَع كلامه الباب اللي اتفَتَح و دَخل منّه شَخص، أوّل ما دَخل الأوضة جَرَى على إيد الشَّخص دَه وباسها، وقال له:
-الموضوع صَعب بَس مٌش صعب عليك .. عايز أخلّف وَلَد .. كُل خلفتي بنات.
رد الشَّخص اللي قاعد بدون ما يِلتِفِت لُه و قال:
-طلبك دَه يلزَمُه زيارة .. وأنت حظّك سعيد ونصيبك سابقَك .. ميعاد الزيارة قرَّب .. بلَّغ مُشكلتَك على الباب .. و ادفع لهُم اللي يقولوا عليه .. ونفّذ الطلبات اللي هيطلبوها منّك .. وفي الزيارة طلبك هيُستجاب لُه.
أنا لقيت “كريم” بيهمس في وِدني:
-إحنا هنا ليه و فين الزيارة دي؟!
قُدَّام البيت، كانت يادوب الشمس بتُغرُب، اتجمّع أربع أشخاص، كُل شَخص كان معاه جَمَل، عليه حمولة كبيرة، كانوا في انتظار “داوود” يُخرج من البيت.
هوّ كمان خَرَج ومعاه جَمَل، زيّهم بالظّبط، كُل واحد فيهم ركب الجَمَل بتاعه، وبدأوا يتحرَّكوا.
طريق طويل بين جِبال، كان “داوود” هوَّ اللي قُدَّامهُم، حاجة كِدَه زي قائد القافلة، الوقت بيمُرّ، ليل وراه نهار ونهار وراه ليل، كانوا بيريّحوا من فترة للتانية، لغاية ما انتهى بيهم الطريق عند “دِبَة النار”!
معقول اللي أنا شايفُه قُدّامي، ليه الناس دي بتقطع المسافة دي، مِن شمال اليمن لجنوبه على الجِمال؟!
أوّل ما وصلوا “كريم” قال لي:
-نَفس المكان اللي شُفتُه في الحِلم.
اللي لاحظناه إن الجِمَال مقرَّبِتش من “دِبَة النار”، بَرَكِت في الأرض، وهُمّا قعدوا جنبها، لغاية ما الليل دَخَل، ساعِتها كُل واحد فيهم ولَّع شُعلة نار، وبدأوا يتحرَّكوا على رِجلهم لغاية المغارة.
المرَّة دي الجبل اللي فيه المغارة ظَهر بشكل مختلف، الحِجارة اللي فيه كأنها حِمَم بركانية لونها قُريّب من الدَّم، كأنها بتِغلي بالظَّبط، فجأة لقيت “كريم” بيرجع ورا من منظر الجَبل، لكن لقيتني بقول لُه:
-اثبت .. متخافش.
بعدها اتحرَّكوا ناحية المغارة، مَكُنتش عارف هُمّا شايفين الجبل بالشكل اللي احنا شايفينه بُه ولا لأ، بَس دَه ما يِمنَعش إن الجبل حقيقته كانت كِدَه في الوَقت دَه.
أوِّل ما دخلوا المغارة اتجهوا ناحية اليمين، عند البير، وقفوا ما بين كل واحد فيهم والتاني مسافة متساوية، بعدها نزلوا على رُكَبهم في الأرض، كانوا بيشيلوا من التُّراب اللي في الأرض عند البير، كانوا بيمسحوا بُه إيدهم ووشّهُم، حاجة كِدَه زي التَّيَمُّم، وكانوا بيتمتموا بجملة واحدة:
– على العهد يا ملك العالم السُّفلي!
بعدها وقف “داوود” وقال:
-الليلة ميعاد الزيارة .. الولاء والطاعة لملك العالم السُّفلي.
إحساس جوَّايا خلّاني أربط بين كلمة “الليلة ميعاد الزيارة” وبين شكل الجَبل .. بَس يا ترى إي الحَدَث اللي يخلّي الجَبَل يِظهر بالشكل دَه؟!
بعد كلام “داوود” خرجوا كلهم من عند البير، كمّلوا طريقهم جوَّه المغارة، لكن الغريب إننا كُنّا شايفين حاجات تقريبًا همّا مُش شايفينها، كان في وحوش زي اللي ممكن تقرأ عنها في الأساطير، وشوش مُرعبة وقرون تيوس عملاقة، عيونهم لونها أحمر، عندهم أنياب بتنقَّط دَم، راسهم مليانة أفاعي بتتحرَّك، وعلى الرغم من إنّي مُتأكّد إننا مُش متشافين، بَس كُنت مرعوب، لكن هُمّا ماشيين عادي، دليل إن كل دَه كان مَخفي عنهم.
في آخر المغارة، مكانش النَّفق ضيّق زي العادي، بالعكس، الطريق كان ماشي عادي خالص، مُش ضيَّق، في نهايته كان فيه بوّابة، بدأت تتفتح واحدة واحدة كل ما كانوا بيقرَّبوا منها، كان المَنظر وراها زي الشكل اللي ظَهر عليه الجَبَل من برّه، حِمم بلون الدَّم.
دخلوا من البوابة، واحنا كمان قرَّبنا منها، سِمعنا عندها أصوات كتير، صرخات، نهيق حمير، نباح كلاب، لكن حصلت حاجة غريبة، حاولنا نعدّي من البوابة وندخل، لكن كانت في حاجة خفيّة بتمنعنا، ففهمت إننا ممنوعين من دخول المكان دَه.
أوّل مرَّة الموقع يمنعنا من دخول مكان!
بصراحة المكان كانت ريحته كريهة جدًّا، كأنّه قبر واتفَتَح على جثّة بتتحلّل، و دَه في حد ذاته أكّد لي إن المكان اللي يدخُله لازم يكون داخلُه لغرض مُش كويّس.
مكانش قُدَّامنا غير إننا نُقَف عند البوابة ونشوف إيه اللي هيحصل، كانوا واقفين جنب بعض، لكن “داوود” كان في النُّص، سِمِعت صوت “كريم” وهوّ بيقول:
-إي حكاية المكان دَه؟!
قبل ما أرد عليه لقينا المكان بيتزلزل، ساعِتها سمعنا صوت “داوود” وهوّ بيقول:
-الصمت والخشوع في حضرة عرش ملك النماردة النارية.
الاسم دَه مُش غريب عليّا، النماردة دَه جمع نمرود، بس بيتقال في الغالب على المتمردين من الجِن، يعني الزيارة دي عَشان يقابلوا ملك المتمردين من الجِن، بيقدّموا له الولاء والطاعة عشان يفضلوا معاهم خدمة الجن اللي بيستخدموها في السّحر اللي بيعملوه؟!
في لحظة قَطَع حبل أفكاري كُرسي بيخرج من الأرض، عليه كائن مُرعب، نَفس الكائن اللي ظَهر لي على اللاب توب فوق صفحة الموقع.
انتظرنا نشوف إي اللي هيحصل، واتفاجأنا إنهم بيسجدوا لُه، وكان صوتهم عالي وهُمّا بيقولوا:
– على العهد يا ملك العالم السُّفلي!
مع الوقت صوتهم بدأ يِعلى جدًّا، كان بيتردّد بشكل مُخيف، بعدها بدأ الجَبل يتزلزل تاني، وبدأ الكائن دَه يختفي، كأن في حاجة في الأرض بتسحبه لِتَحت.
الدُّنيا رِجِعِت هادية زي ما هيّ، خرجوا من البوابة اللي اختفت بمجرّد خروجهم، كمّلوا لغاية باب المغارة، لكنّهم قبل ما يخرجوا من المغارة دخلوا عند البير، وكرَّروا نفس اللي حصل وهمّا داخلين.
لمّا خرجوا من المغارة راحوا عند “دِبَة النار”، أخدوا منها كمّيّات فَحم كبيرة، حمّلوها على الجِمَال، ساعِتها “داوود” قال لهم:
-كميّات الفحم تكفّي للزيارة الجاية.
لغاية هَنا ولقيتني واقف في نفس المكان الي بَبُص منّه على المغارة من بعيد، لكن “كريم” مكانش جنبي، مكَانش شاغل بالي هوّ راح فين، أنا عرفت إن دوره في الرحلة انتهى لغاية كِدَه.
بدأت أجمّع الخيوط في دماغي، المغارة مكان عرش ملك النماردة النارية، اللي السَّحرة بيزوروها كل سنة عشان يجدّدوا ولائهم للشياطين، وفي الليلة دي المكان بيظهر بشكل مختلف لأنه بيفتح بوّابة لعالم سُفلي، مُش مسموح لغير السَّحرة إنهم يدخلوها.
دا غير إنّهم بياخدوا الفحم اللي بيستخدموه في راكية النار من “دِبَة النار” اللي عند المغارة، كأنّهم بياخدوا حاجة من أثر المكان عشان يفضلوا مرتبطين بُه.
في أوضتي لمّا رجعت لقيت شاشة اللاب توب مفيش عليها حاجة، عرفت إن القصة لغاية كِدَه انتهت.
تاني يوم الصبح في الجامعة، دخلت الكفاتيريا ولقيت “كريم”، طبعًا كالعادة شاف كل ده على إنّه حلم، الغريبة إنّه في المرّة دي قال لي:
-بَرَهوت حاجة من الاتنين .. مكان فيه الجاذبية عالية عَشان كِدَه فيه فجوة زمنية .. أو مكان بيفتح على عالم سُفلي في وقت معيّن من السنة وبيقفل تاني.
طبعًا كلام “كريم” مظبوط، لأن هوّ دَه اللي حصل فعلًا في المرتين اللي الموقع خلّانا نزور فيهم المغارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى